فصل: حوادث سنة ثمانين ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر وفاة المعتمد:

وفيها توفي المعتمد على الله ليلة الاثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب ببغداد، وكان قد شرب على الشط في الحسني ببغداد، يوم الأحد، شراباً كثيرأن وتعشى فأكثر، فمات ليلاً؛ وأحضر المعتمد القضاة وأعيان الناس، فنظروا إليه، وحمل إلى سامرا فدفن بهأن وكان عمره خمسين سنة وستة أشهر، وكان آسن من الموفق بستة اشهر، وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وستة أشهر.
وكان في خلافته محكوماً عليه، قد تحكم عليه اخوة أبوأحمد الموفق، وضيق عليه، حتى إنه احتاج، في بعض الأوقات، إلى ثلاثمائة دينار، فلم يجدها ذلك الوقت، فقال:
أليس من العجائب أن نثلي ** يرى ما قل ممتنعاُ عليه

وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً ** وما من ذاك شيء في يديه

إليه تحمل الأموال طراً ** ويمنع بعض ما يجبى إليه

وكان أول الخلفاء انتقل من سر من رأى، مذ بنيت، ثم لم يعد إليها أحد منهم.

.ذكر خلافة أبي العباس المعتضد:

وفي صبيحة الليلة التي مات فيها المعتمد بويع لأبي العباس المعتضد بالله أحمد بن الموفق أبي أحمد طلحة بن المتوكل بالخلافة، فولى غلامه بدراً الشرطة، وعبيد الله بن سليمان الوزارة، ومحمد بن الشاه بن مالك الحرس، ووصله في شوال رسول عمروبن اليث ومعه هدايا كثيرة، وسأله أن يوليه خراسان، فعقد له عليهأن وسير إليه الخلع واللواء والعهد، فنصب الواء في داره ثلاثة أيام.

.ذكر وفاة نصر الساماني:

وفيها مات نصر بن أحمد الساماني، وقام بما كان إليه من العمل بما وراء النهر، أخوه إسماعيل بن أحمد، وكان نصر دينأن عاقلأن له شعر حسن، منه ما قاله في رافع بن هرثمة:
أخوك فيك على خبر ومعرفة ** إن الذليل ذليل حيثما كانا

لولا زمان خؤون في تصرفه ** ودولة ظلمت ما كنت إنساناً

.ذكر عزل رافع بن هرثمة من خراسان وقتله:

وفيها عزل المعتضد رافع بن هرثمة عن خراسان.
وسبب ذلك أن المعتضد كتب إلى رافع بتخلية قرى السلطان بالري، فلم يقبل، فأشار على رافع أصحابه برد القوى لئلا يفسد حاله بكتاب، فلم يقبل أيضأن وكتب المعتضد إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف يأمره بمحاربة رافع وإخراجه عن الري، وكتب إلى عمروبن الليث بتوليته خراسان.
ثم إن أحمد بن عبد العزيز لقي رافعاً فقاتله، فانهزم رافع عن الري وسار إلى جرجان، ومات أحمد بن عبد العزيز سنة ثمانين ومائتين، فعاد رافع إلى الري، فلاقاه عمرووبكر ابنا عبد العزيز، فاقتتلوا قتالاً شديدأن فانهزم عمرووبكر، وقتل من أصحابهما مقتلة عظيمة، ووصلوا إلى أصبهان، وذلك في جمادى الأولى سنة ثمانين.
وأقام رافع بالري باقي سنته، ومات علي بن الليث معه في الري، ثم إن عمروبن الليث وافى نيسابور في جمادى الأولى سنة ثمانين واستولى عليها وعلى خراسان، فبلغ الخبر إلى رافع، فجمع أصحابه واستشارهم فيما يفعل، وقال لهم: إن الأعداء قد أحدقوا بنأن ولا آمن أن يتفقوا علينا؛ هذا محمد بن زيد بالديلم ينتظر فرصة لينتهزها؛ وهذا عمروبن عبد العزيز قد فعلت به ما فعلت، فهويتربص الدوائر؛ وهذا عمروبن الليث قد وافى خراسان بجموعه؛ وقد رأيت أن أصالح محمد بن زيد وأعيد إليه طبرستان، وأصالح ابن عبد العزيز، ثم أسير إلى عمروفأخرجه عن خراسان، فوافقوه على ذلك، وأرسل إلى ابن عبد العزيز فصالحه، واستقر الأمر بينهما في شعبان سنة ثمانين.
ثم سار إلى طبرستان، فوردها في شعبان سنة إحدى وثمانين، وكان قد أقام بجرجان، فأحكم أمورهأن ولما استقر بطبرستان راسل محمد ابن زيد وصالحه، وعده محمد بن زيد أن ينجده بأربعة آلاف رجل من شجعان الديلم، وخطب لمحمد بطبرستان وجرجان في ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
وبلغ خبر مصالحة محمد بن زيد ورافع إلى عمروبن الليث، فأرسل إلى محمد يذكره ما فعل يه، ويحذره منه ومن غدره إن استقام أمره، فعاد عن إنجاده بعسكر.
فلما قوي عمروعرف لمحمد ين زيد ذلك، وخلى عليه طبرستان؛ ولما أحكم رافع أمر محمد ين زيد سار إلى خراسان، فورد نيسابور في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وجرى بينه وبين عمروحرب شديدة انهزم فيها رافع إلى أبيورد، وأخذ عمرومنه المعدل والليث ولدي أخيه علي ابن الليث، وكانا عنده بعد موت أخيه علي.
ولما ورد رافع أبيورد أراد المسير إلى هراة أومرو، فعلم عمروبذلك، فاخذ عليه الطريق بسرخس، فلما علم رافع بمسير عمروبن نيسابور سار على مضايق وطرق غامضة غير طريق الجيش إلى نيسابور، فدخلهأن وعاد إليه عمرومن سرخس فحصره فيهأن وتلاقيأن واستأمن بعض قواد رافع إلى عمرو، فانهزم رافع وأصحابه، وسير أخاه محمد بن هرثمة إلى محمد بن زيد يستمده، ويطلب ما وعده من الرجال، فلم يفعل، ولم يمده برجل واحد، وتفرق عن رافع أصحابه وغلمانه، وكان له أربعة آلاف غلام، ولم يملك أحد من ولاة خراسان قبله مثله، وفارقه محمد بن هارون إلى إسماعيل ابن أحمد الساماني ببخارى، وخرج رافع منهزماً إلى خوارزم على الجمازات، وحمل ما بقي معه من مال وآلة، وهوفي شرذمة قليلة، وذلك في رمضان سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
فلما بلغ رباط جبوه وجه إليه خوارزمشاه أبا سعيد الدرغاني له الأنزال، ويخدمه إلى خوارزم، فرآه أبوسعيد في قلة من رجاله، وغدر به وقتله لسبع خلون من شوال سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وحمل رأسه إلى عمروبن الليث، وهوبنيساور، وأنفذ عمروالرأس إلى المعتضد بالله، فوصل إليه سنة أربع وثمانين، فنصب ببغداد، وصفت خراسان، إلى شاطئ جيجون، لعمرو.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها قدم الحسين بن عبد الله، المعروف بابن الجصاص، من مصر بهدايا عظيمة من خمارويه، فتزوج المعتضد ابنة خمارويه.
وفيها ملك أحمد بن عيسى بن الشيخ قلعة ماردين، وكانت بيد محمد بن إسحاق بن كنداجيق.
وحج بالناس هذه السنة هارون بن محمد، وهي آخر حجة حجهأن وأول حجة حجها بالناس، سنة أربع وستين ومائتين إلى هذه السنة.
وفيها توفي أبوعيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي السلمي بترمذ في رجب، وكان إماماً حافظاً له تصانيف حسنة، منها: الجامع الكبير في الحديث، وهوأحسن الكتب، وكان ضريراً؛ وتوفي إبراهيم بن محمد المدبر في شوال وكان يلي ديوان الضياع.

.حوادث سنة ثمانين ومائتين:

.ذكر حبس عبد الله بن المهتدي:

في هذه السنة أخذ المعتضد عبد الله بن المهتدي، ومحمد بن الحسين المعروف بشميلة، وكان شميلة هذا مع صاحب الزنج إلى آخر أيامه، ثم لحق بالموفق في الأمان، فأمنه.
وكان سبب أخذه إياه أن بعض المستأمنة سعى به إلى المعتضد، وأنه يدعولرجل لا يعرف اسمه، وأنه قد أفسد جماعة من الجند وغيرهم، فأخذه المعتضد فقرره، فلم يقرر بشيء وقال: لوكان الرجل تحت قدمي ما رفعتهما عنه! فأمر به فشد على خشبة من خشب الخيم، ثم أوقدت نار عظيمة، وأدير على النار حتى تقطع جلده، ثم ضربت عنقه، وصلب عند الجسر؛ وحبس عبد الله بن المهتدي إلى أن علم براءته، وأطلقه، وكان المعتضد قثال لشميلة: بلغني أنك تدعوإلى ابن المهتدي؟ فقال: المشهور عني أنني أتولى آل أبي طالب.

.ذكر قصة المعتضد بني شيبان وصلحة معهم:

وفيهأن في أول صفر، سار المعتضد من بغداد يريد بني شيبان بالموضع الذي يجتمعون به من أرض الجزيرة، فلما بلغهم قصده جمعوا إليهم أموالهم، وأغار المعتضد على أعراب عند السن، فنهب أموالهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وغرق منهم في الزاب مثل ذلك، وعجز الناس عن حمل ما غمنوه، فبيعت الشاة بدرهم، والبعير بخمسة دراهم.
وسار إلى الموصل وبلد، فلقيه بنوشيبان يسألونه العفو، ويبذلوا له رهائن، فأجابهم إلى ما طلبوأن وعاد إلى بغداد، وأرسل إلى أحمد بن عيسى بن الشيخ يطلب منه ما أخذه من أموال ابن كنداجيق بآمد، فبعثه إليه ومعه هدايا كثيرة.

.ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجيان:

في هذه السنة خرج محمد بن عبادة، ويعرف بأبي جوزة، وهومن بني زهير من أهل قبراثأن من البقعاء، على هارون، وكلاهما من الخوارج، وكان أول أمره فقيرأن وكان هووابنان له يلتقطون الكمأة ويبيعونهأن إلى غير ذلك من الأعمال، ثم إنه جمع جماعة، وحكم، فاجتمع إليه أهل تلك النواحي من الأعراب، وقوي أمره، وأخذ عشر الغلات، وقبض الزكاة، وسار إلى معلثايأن فقاطعه أهلها على خمسمائة دينار، وجبى تلك الأعمال، وعاد وبنى عند سنجار حصنأن وحمل إليه الأمتعة والميرة، وجعل فيه ابنه أبا هلال ومعه مائة وخمسون رجلاً من وجوه بني زهير وغيرهم.
ووصل خبرهم إلى هارون الشاري فاجتمع رأيه ورأي وجوه أصحابه على قصد الحصن أولأن فإذا فرغوا منه ساروا إلى محمد بن عباده، فجمع أصحابه، فبلغوا مائة راجل وألفاً ومائتي فارس، وسار إليه مبادرأن وأحدق به وحصره؛ ومحمد بن عبادة في قيراثا لا يعلم بذلك.
وجد هارون في قتال الحصن، وكان معه سلاليم قد أخذهأن وزحف إليه، وكان أصحابه قد منعوا أحداً يخرج رأسه من أعلى السور، فلما رأى من معه من بني تغلب تغلبه على الحصن أعطوا من فيه من بني زهير الأمان بغير أمر هارون، فشق عليه، ولم يقدر على تغيير ذلك، إلا أنه قتل أبا هلال بن محمد بن عبادة ونفراً معه قبل الأمان، وفتحوا الحصن وملكوا ما فيه.
وساروا إلى محمد، وهوبقبراثأن فلقوه وهوفي أربعة آلاف رجل، فاقتتلوأن فانهزم هارون ومن معه، فوقف بعض أصحابه ونادى رجالاً بأسمائهم فاجتمعوا نحوأربعين رجلأن وحملوا على ميمنة محمد بن عبادة، فانهزمت الميمنة، وعادت الحرب، فانهزم محمد ومن معه، ووضعوا السيف فيهم، فقتلوا منهم ألفاً وأربع مائة رجل، وحجز بينهم الليل، وجمع هارون مالهم فقسمه بين أصحابه، وانهزم محمد إلى آمد، فأخذه صاحبها أحمد ابن عيسى بن الشيخ، بعد حرب، فظفر به، فأخذه أسيرأن وسيره إلى المعتضد، فسلخ جلده كما يسلخ الشاة.

.ذكر عدة حوادث:

لما افتتح محمد بن أبي الساج مراغة، بعد حرب شديدة وحصار عظيم، أخذ عبد الله الحسين، بعد أن أمنه وأصحابه، وقيده وحبسه، وقرره بجميع أمواله ثم قتله.
وفيها مات أحمد بن ثور عمان وبعث برؤوس جماعة من أهلها.
وفيها توفي جعفر بن المعتمد في ربيع الآخر، وكان ينادم المعتضد.
وفيها دخل عمروبن الليث نيسابور في جمادى الأولى.
وفيها وجه محمد بن أبي الساج ثلاثين نفساً من الخوارج من طريق الموصل فضربت أعناق أكثرهم، وحبس الباقون.
وفيها دخل أحمد بن أبا طرسوس للغزاة من قبل خمارويه بن أحمد ابن طولون، ودخل بعده بدر الحمامي، فغزوا جميعاً مع العجيفي أمير طرسوس حتى بلغوا البلقسون.
وفيها غزا إسماعيل بن أحمد الساماني بلاد الترك، وافتتح مدينة ملكهم، وأسر أباه وامرأته خاتون ونحواً من عشرة آلاف، وقتل منهم خلقاً كثيرأن وغمن من الدواب ما لا يعلم عددأن وأصاب الفارس من الغنيمة ألف درهم.
وفيها توفي راشد مولى الموفق بالدينور، وحمل إلى بغداد في رمضان.
وفي شوال مات مسرور والبلخي.
وفيها غارت المياه بالري وطبرستان، حتى بلغ الماء أرطال بدرهم، وغلت الأسعار.
وفي شوال انكسف القمر، وأصبح أهل دبيل والدنيا مظلمة، ودامت الظلمة عليهم، فلما كان عند العصر هبت ريح سوداء فدامت إلى ثلث الليل، فلما كان ثلث الليل زلزلوا فخربت المدينة، ولم يبق من منازلهم إلا قدر مائة دار، وزلزلوا بعد ذلك مس مرار، وكان جملة من أخرج من تحت الردم مائة ألف وخمسون ألفاً كلهم موتى.
وحج بالناس هذه السنة أبوبكر محمد بن هارون بن إسحاق المعروف بابن ترنجة.
وفيها توفي محمد بن إسماعيل بن يوسف أبوإسماعيل الترمذي في رمضان، وله تصنيف حسنة؛ واحمد بن سيار بن أيوب الفقيه المروزي، وكان زاهداً عالماً؛ وأبوجعفر أحمد بن أبي عمران الفقيه الحنفي بمصر.

.حوادث سنة إحدى وثمانين ومائتين:

.ذكر مسير المعتضد إلى ما ردين وملكه إياها:

وفيها خرج المعتضد الخرجة الثانية إلى الموصل، قاصداً لحمدان بن حمدون، لأنه بلغه أن حمدان مال إلى هارون الشاري، ودعا له، فلما بلغ الأعراب والأكراد مسير المعتضد تحالفوا أنهم يقتلون على دم واحد، واجتمعوأن وعبوا عسكرهم، وسار المعتضد إليهم في خيله جريدة، فأوقع بهم، وقتل منهم، وغرق منهم في الزاب خلق كثير.
وسار المعتضد إلى الموصل يريد قلعة ماردين، وكانت لحمدان بن حمدون، فهرب حمدان منها وخلف ابنه بهأن فنازلها المعتضد، وقاتل من فيها يومه ذلك، فلما كان من الغد ركب المعتضد فصعد إلى باب القلعة، وصاح: يا بن حمدان! فأجابه، فقال: افتح الباب، ففتحه، فقعد المعتضد في الباب، وأمر بنقل ما في القلعة وهدمهأن ثم وجه خلف ابن حمدون، وطلب اشد الطلب، وأخذت أموال له، ثم ظفر به المعتضد بعد عوده إلى بغداد.
وفي عوده قصد السنية وبها رجل كردي يقال له شداد، في جيش كثير، قيل كانوا عشرة آلاف رجل، وكان له قلعة، فظفر به المعتضد وهدم قلعته.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها ورد ترك بن العباس، عامل المعتضد على ديار مضر، من الجزيرة إلى بغداد، ومعه نيف وأربعون من أصحاب ابن الأغر، صاحب سميساط، على جمال، عليهم برانس ودراريع حرير، فمضى بهم إلى الحبس، وعاد إلى داره.
وفيها كانت وقعة لوصيف خادم ابن أبي الساج لعمر بن عبد العزيز، فهزمه، ثم سار وصيف إلى مولاه محمد بن أبي الساج.
وفيها دخل طغج بن جف طرسوس لغزوالصائفة من قبل خمارويه ابن احمد بن طولون فبلغ طرابزون، وفتح بلودية في جمادى الآخرة.
وفيها مات أحمد بن محمد الطائي بالكوفة في جمادى.
وفيها غارت المياه بالري وطبرستان.
وفيها سار المعتضد إلى ناحية الجبل، وقصد الدينور، وولى ابنه عليأن وهوالمكتفي، الري، وقزوين، وزنجان، وأبهر، وقم، وهمذان، والدينور، وجعل على كتابته أحمد بن الأصبغ، وقلد عمر بن عبد العزيز ابن أبي دلف أصبهان، ونهاوند، والكرج، وعاد إلى بغداد لأجل غلاء السعر.
وفيها استأمن الحسن بن علي كورة، عامل رافع على الري، إلى علي بن المعتضد في زهاء ألف رجل، فوجهه ومن معه إلى أبيه.
وفيها دخل الأعراب سامرأن فقتلوا ابن سيما في ذي القعدة.
وفيها غزا المسلمون الروم، فدامت الحرب بينهم اثني عشر يومأن فظفر المسلمون وغمنوا غنيمة كثيرة وعادوا.
وفيها توفي عبيد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيأن صاحب التصانيف الكثيرة المشهورة.

.حوادث سنة اثنتين وثمانين ومائتين:

.ذكر النيروز المعتضدي:

فيها أمر المعتضد بالكتابة إلى الأعمال كلها جميعها بترك افتتاح الخراج في النيروز العجمي، وتأخير ذلك إلى الحادي عشر من حزيران، وسماه النيروز المعتضدي، وأنشئت الكتب بذلك من الموصل، والمعتضد بهأن وأراد بذلك الترفيه عن الناس، والرفق بهم.

.ذكر قصد حمدان وانهزامه وعوده إلى الطاعة:

في هذه السنة كتب المعتضد إلى إسحاق بن أيوب، وحمدان بن حمدون، بالمسير إليه، وهوفي الموصل، فبادر إسحاق، وتحصن حمدان بقلاعه، وأودع أمواله وحرمه، فسير المعتضد الجيوش نحوه مع وصيف موشكير، ونصر القشوري، وغيرهمأن فصادفوا الحسن بن علي كورة وأصحابه متحصنين بموضع يعرف بدير الزعفران، من أرض الموصل.
وفيها وصل الحسين بن حمدان بن حمدون، فلما رأى الحسين أوائل العسكر طلب الأمان، فأمن، وسير إلى المعتضد، وسلم القلعة، فأمر المعتضد بهدمهأن وسار وصيف في طلب حمدان، وكان بباسورين، فواقعه وصيف، وقتل من أصحابه جماعة، وانهزم حمدان في زورق كان له في دجلة، وحمل معه مالاً كان له، وعبر إلى الجانب الغربي من دجلة، فصار في ديار ربيعة.
وعبر نفر من الجند، فاقتصوا أثره، حتى أشرفوا على دير قد نزله، فلما رآهم هرب، وترك ماله، فأخذ وأتي به المعتضد، وسار أولئك في طلب حمدان، فضاقت عليه الأرض، فقصد خيمة إسحاق بن أيوب، وهومع المعتضد، واستجار به، فأحضره إسحاق عند المعتضد، فأمر بالاحتفاظ به، وتتابع رؤساء الأكراد في طلب الامان، وكان ذلك في المحرم.

.ذكر انهزام هارون الخارجي من عسكر الموصل:

كان المعتضد بالله قد خلف بالموصل نصراً القشوري يجبي الأموال ويعين العمال على جبايتهأن فخرج عامل معلثايا إليها ومعه جماعة من أصحاب نصر، فوقع عليهم طائفة من الخوارج، فاقتتلوا إلى أن أدركهم الليل وفرق بينهم، وقتل من الخوارج إنسان اسمه جعفر، وهومن أعيان أصحاب هارون، فعظم عليه قتله، وأمر أصحابه بالإفساد في البلاد.
فكتب نصر القشوري إلى هارون الخارجي كتاباً يتهدده بقرب الخليفة، وأنه إن هم به أهلكه وأهلك أصحابه، وأنه لا يغتر بمن سار إلى حربه، فعاد عنه بمكر وخديعة، فكتب إليه هارون كتاباً منه: أما ما ذكرت ممن أراد قصدي، ورجع عني، فإنهم لما رأوا جدنا واجتهادنا كانوا بإذن الله فراشاً متتابعأن وقصباً أجوف، ومن صبر لنا منهم ما زاد على الاستتار بالحيطان، ونحن على فرسخ منهم، وما غرك إلا ما أصبت به صاحبنأن فظننت أن دمه مطلول أوأن وتره متروك لك، كلا إن الله تعالى من ورائك، وآخذ بناصيتك، ومعين على إدراك الحق منك، ولم تعيرنا بغيرك وتدع أن يكون ذلك إبداء صفحتك، وإظهار عداوتك؟ وإنا كما قيل:
فلا توعدونا باللقاء وأبرزوا ** إلينا سواداً نلقه بسواد

ولعمر الله ما ندعوإلى البراز ثقة بأنفسنأن ولا عن ظن أن الحول والقوة لنأن لكن ثقة بربنأن واعتماداً على جميل عوائده عندنا.
وأما ما ذكرت من أمر سلطانك، فإن سلطانك لا يزال منا قريبأن وبحالنا عالمأن فلا قدم أجلاً ولا أخره، ولا بسط رزقاً ولا قبضه قد بعثنا على مقابلتك، وستعلم عن قريب إن شاء الله تعالى.
فعرض نصر كتاب هارون على المعتضد، فجد في قصده، وولى الحسن بن علي كورة الموصل، وأمره بقصد الخوارج، وأمر مقدمي الولايات والأعمال كافة بطاعته، فجمعهم، وسار إلى أعمال الموصل، وخندق على نفسه، وأقام إلى أن رفع الناس غلاتهم، ثم سار إلى الخوارج، وعبر الزاب إليهم، فلقيهم قريباً من المغلة، وتصافوا للحرب، فاقتلوا قتالاً شديدأن وانكشف الخوارج عنه ليفرقوا جمعيته ثم يعطفوا عليه، فأمر الحسن أصحابه بلزوم مواقفهم، ففعلوأن فرجع الخوارج وحملوا عليهم سبع عشرة حملة، فانكشفت ميمنة الحسن، وقتل من أصحابه، وثبت هو، فحمل الخوارج عليه حملة رجل واحد، فثبت لهم وضرب على رأسه عدة ضربات فلم تؤثر فيه.
فلما رأى أصحابه ثباته تراجعوا إليه وصبروأن فانهزم الخوارج أقبح هزيمة وقتل منهم خلق كثير، وفارقوا موضع المعركة، ودخلوا أذربيجان.
وأما هارون فإنه تحير في أمره، وقصد البرية، ونزل عند بني تغلب، ثم عاد إلى معلثايأن ثم عاد إلى البرية، ثم رجع عبر دجلة إلى حزة، وعاد إلى البرية.
وأما وجوه أصحابه، فإنهم لما رأوا إقبال دولة المعتضد وقوته، وما لحقهم في هذه الوقعة، راسلوا المعتضد يطلبون الأمان فأمنهم، فأتاه كثير منهم، يبلغون ثلاثمائة وستين رجلأن وبقي معه بعضهم يجول بهم في البلاد، إلى أن قتل سنة ثلاث وثمانين على ما نذكره.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة في ربيع الأول قبض على تكتمر بن طاشتمر، وقيد وأخذ ماله؛ وكان أميراً على الموصل، واستعمل بعده عليها الحسن بن علي الخراساني، ويعرف بكورة.
وفيها قدم ابن الجصاص بابنة خمارويه، زوجة المعتضد، ومعها أحد عمومتها، وكان المعتضد بالموصل.
وفيها عاد المعتضد إلى بغداد، وزفت إليه ابنة خمارويه في ربيع الآخر.
وفيها سار المعتضد إلى الجبل، فبلغ الكرج، وأخذ أموالاً لابن أبي دلف، وكتب إلى عمروبن عبد العزيز يطلب منه جوهراً كان عنده، فوجه به إليه، وتنحى من بين يديه.
وفيها أطلق لؤلؤ غلام ابن طولون، وحمل على دواب وبغال.
وفيها وجه يوسف بن أبي الساج إلى الصيمرة مدداً لفتح القلانسي، غلام الموفق، فهرب يوسف فيمن أطاعه إلى أخيه محمد بمراغة، ولقي مالاً للمعتضد فأخذه، فقال في ذلك عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
إمام الهدى أنصاركم آل طاهر ** بلا سبب تخفون والدهر يذهب

وقد خلطوا شكراً بصبر ورابطوا ** وغيرهم يعطي ويجبي ويهرب

وفيها وجه المعتضد وزيره عبيد الله بن سليمان إلى ابنه الري وعاد منها.
وفيها وجه محمد بن زيد العلوي من طبرستان إلى محمد بن ورد العطار باثنين وثلاثين ألف دينار ليفرقها على أهل بيته ببغداد، والكوفة، والمدينة، فسعي به إلى المعتضد، فأحضر محمد عنه بدر، وسئل عن ذلك، فأقر أنه يوجه إليه كل سنة مثل ذلك، ففرقه، وأنهى بدر إلى المعتضد ذلك، فقال له المعتضد: أما تذكر الرؤيا التي خبرتك بها؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين؛ قال: رأيت في النوم كأني أريد ناحية انهروان، وأنا في جيشي، إذ مررت برجل واقف على تل يصلي ولا يلتفت إلي، فعجبت، فلما فرغ من صلاته قال لي: أقبل، قأقبلت إليه، فقال لي: أتعرفني؟ قلت: لا! قال: أنا علي بن أبي طالب، خذ هذه فاضرب بها الأرض، بمسحاة بين يديه، فأخذتهأن فضربت بها ضربات، فقال لي: إنه سيلي من ولدك هذا الأمر بعدد الضربات، فأوصهم بولدي خيراً.
وأمر بدراً بإطلاق المال والرجل، وأمره أن يكتب إلى صاحبه بطبرستان أن يوجه ما يريد ظاهرأن وأن يفرق ما يأتيه ظاهرأن وتقدم بمعونته على ذلك.
وفيها توفي أبوطلحة منصور ين مسلم في حبس المعتضد.
وفيها ولدت جارية اسمها شغب للمعتضد ولداً سماه جعفرأن وهوالمقتدر.
وفيها قتل خمارويه بن احمد بن طولون، ذبحه بعض خدمه على فراشه في ذي الحجة بدمشق، وقتل من خدمه الذين اتهموا نيف وعشرون نفساً.
وكان سبب قتله أنه سعى إليه بعض الناس وقال له إن جواري داره قد اتخذت كل واحدة منهم خصيأن من خصيان داره، لها كالزوج، وقال: إن شئت أن تعلم صحة ذلك فأحضر بعض الجواري فاضربهأن وقررهأن حتى تعلم صحة ذلك. فبعث من وقته إلى نائبه بمصر يأمره بإحضار عدة من الجواري ليعلم الحال منهن، فاجتمع جماعة من الخدم، قرروا بينهم الاتفاق على قتله، خوفاً من ظهور ما قيل له، وكانوا خاصته، فذبحوه ليلاً وهربوا.
فلما قتل اجتمع القواد وأجلسوا ابنه جيش بن خمارويه في الإمارة، وكان معه بدمشق، وهوأكبر ولده، فبايعوه ففرقت فيهم الأموال، وكان صبياً غراً.
وفيها توفي عثمان بن سعيد بن خالد أبوسعيد الداري، الفقيه الشافعي، أخذ الفقه عن البويطي صاحب الشافعي، والأجرب عن ابن الأعرابي.
وفيها توفي أبوحنيفة أحمد بن داود الدينوري اللغوي صاحب كتاب النبات وغيره.
وفيها توفي الحارث بن أبي أسامة، وله مسند يروى غالباً في زماننا هذا؛ وأبوالعيناء محمد بن القاسم وكان يروي عن الأصمعي.